لن يصدمك العنوان، إن كنت من
مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهذه بعض نتائج اختباراتي تحت عناوين " من
أنتَ من الأشياء" و"على أيِّ كوكبٍ يجب أن تعيش" و"من هي
بجمالكِ من النّساء"، أمّا الحيوان الذي يمثلني فهو العقرب، فيما سأتزوج من
نجم كرة القدم "كريستانيو رونالدو" بعد أن أقابله في حديقة عامة وأعيش معه
قصّة حبّ جارفة أكسِّر خلالها بعض الأطباق والأكواب؛ لأنّ ذراعي –اليمنى على
الأغلب- هي التي ستنقل لي بشرى "صعودي" بالحبّ ، رغم تطابق سماتي
الشخصيّة مع مثيلاتها عند "عبد الباري عطوان" كما أكّد لي الاختبار
المعنون بـ"من تشبه من الإعلاميين العرب" بعد أن أجريته ثلاث مرات غيّرت
فيها إجاباتي، وطبعا لن أفصح لكم عن اسم الزّعيم العربي الأقرب لشخصيّتي حتّى لا
تتعرض مقالتي هذه لمحاولات "إسقاط" و "خلع"، أو
"اغتيال" –لا سمح الله-، مع أنّني صورة طبق الأصل عن "هتلر"؛
كما أظهرت نتائج اختبار آخر!.
والحقيقة أنّ موضوع الاختبارات ليس مجال حديثي هنا، ولن أناقش إيجابياتها أو سلبياتها ولا حتى مقدار دقتها والأسباب المختلفة التي تدفعنا لاختراع إجابات "مثاليّة" نوعا ما رغم التعليمات التي تطلب منا "الإجابة بصراحة"؛ فالأمر ليس أكثر من وسيلة للتسلية المشروعة عند معظم مستخدميها،أو رغبة بإشباع الفضول عند آخرين، لكن.. لو أخذنا بعين الاعتبار الشعبيّة المرتفعة التي تتمتع بها، فإن أحد تلك الاختبارات؛ وأقصد ذاك المعنون بــ "من هي بجمالك من النساء" أثار دهشتي، لأنّه يقارن "صورتك/ جسدك/ شكلك الخارجي" مع صورة "أخرى" دون أن يراك بشكل فعلي.
قد يقول قائل، إنّ معظم الاختبارات
غير منطقيّة، فلماذا هذا الاختبار تحديدا؟
لا بد من التوضيح أولا، إن موضوع دهشتي يتعلق بالمتلقي نفسه لا بالاختبار؛ لذا أستطيع أن أتفهم رغبة الإنسان بالكشف عن مستقبله أو (شخصيته ثم مقارنتها مع شخصيّة أخرى) أو حتى وصف معدنه أو رغباته الدفينة أو المعلنة...الخ؛ وكلّها أشياء غير ملموسة ولا يمكن قياسها بسهولة أو هي افتراضيّة أو تدخل ضمن وصف الفنتازيا، لكنني لا أستطيع الاقتناع أن كل هؤلاء الأشخاص –أو النّساء في هذه الاختبار تحديدا- يخوضون سلسلة من الأسئلة للوصول إلى نتيجة يمكن الحصول عليها من خلال النظر في أقرب "مرآة"!؛..أداة القياس ذائعة الصّيت المرتبطة بحاسّة البصر، هذه الأخيرة التي تعتبر أساس اكتساب المعرفة ومن ثمّ استيعابها من قبل العقل، رغم تحذير بعض العلماء والفلاسفة والمفكرين من القوى الخطيرة المرتبطة بالوهم عند استخدام البصر، كما فعل "أرسطو" –مثلا- عندما فضّل عليها حاسة اللمس باعتبارها أساس المعرفة التي يحصل عليها الإنسان من جميع الحواسّ.
لا بد من التوضيح أولا، إن موضوع دهشتي يتعلق بالمتلقي نفسه لا بالاختبار؛ لذا أستطيع أن أتفهم رغبة الإنسان بالكشف عن مستقبله أو (شخصيته ثم مقارنتها مع شخصيّة أخرى) أو حتى وصف معدنه أو رغباته الدفينة أو المعلنة...الخ؛ وكلّها أشياء غير ملموسة ولا يمكن قياسها بسهولة أو هي افتراضيّة أو تدخل ضمن وصف الفنتازيا، لكنني لا أستطيع الاقتناع أن كل هؤلاء الأشخاص –أو النّساء في هذه الاختبار تحديدا- يخوضون سلسلة من الأسئلة للوصول إلى نتيجة يمكن الحصول عليها من خلال النظر في أقرب "مرآة"!؛..أداة القياس ذائعة الصّيت المرتبطة بحاسّة البصر، هذه الأخيرة التي تعتبر أساس اكتساب المعرفة ومن ثمّ استيعابها من قبل العقل، رغم تحذير بعض العلماء والفلاسفة والمفكرين من القوى الخطيرة المرتبطة بالوهم عند استخدام البصر، كما فعل "أرسطو" –مثلا- عندما فضّل عليها حاسة اللمس باعتبارها أساس المعرفة التي يحصل عليها الإنسان من جميع الحواسّ.
لا أتوقع أنّ المتفاعلين مع مثل
هذه الاختبارات يتجاهلون حاسّة "البصر" كوسيلة للمعرفة في قضيّة
"بصريّة" لا مجال لأي لبس فيها، كما أجزم أنّ غالبيتهم لا تعاني الــِ"سبكتروفوبيا"؛
تلك "الفوبيا المرضيّة" التي تدفع الشخص إلى الخشية من مجرد رؤية انعكاس
صورته في المرآة، كما لا أستطيع إرجاع الأمر إلى قلقهم المتولّد من أسطورة "نرسيس/
نيركسيسيوس/ناريس" الذي عشق صورته في الماء حتى سقط فيه ميتا قبل أن يتحول
جسده إلى زهرة نرجس جميلة، أو "ميدوسا" التي حوّلت كل وقع نظرها عليه
إلى حجر قبل أن يقتلها البطل "بروسيوس" مستخدما درعه كمرآة عاكسة، أو
"أورفيوس" الذي خسر زوجته "اوريديوس"- بعد أن خلّصها من قبضة
"هادز" ملك العالم السفلي- لأنّه لم يمنع نفسه من محاولة النظر إليها
وهي تسير خلفه –مع الإشارة إلى زوجة النبي لوط عندما نظرت إلى الخلف لمشاهدة أهلها
أيضا-، الأمر الذي
يخالف تعليمات ملك العالم السفلي "هادز" وتسبب في عذاب
"أورفيوس" والكثير من الموسيقى السّاحرة!.
حسنا، سأترك البحث عن أسباب الرضوخ –غير المفهوم- لمثل هذا "الاختبار" وأحيله –مثلا- إلى أسباب وجوديّة، أو "أمراض تكنولوجيّة" جديدة طرأت كنتيجة عكسيّة لسيطرة موضوع "الصّورة"!، أو دوافع نفسيّة لها من يفسرّها، معلنة أنّ الأمر يتجاوز قدراتي التفكيكيّة، فيما نتجوّل معا داخل موضوعنا الرئيس "المرآة" وتداعياتها.
لكن، دعوني أختم هذا الجزء من مقالتي، بالإشارة إلى ظاهرة تكنولوجيّة أخرى تعيد أسطورة "نرسيس" بشكلها الحداثي والجماعي هذه المرّة، وأقصد "صورة السيلفي" واسعة الانتشار، محذِّرة من أطماع "صُنّاع نرسيس" الجُدد، واستسلامنا-نحن الـ"نرسيس/يون/يات"-أو (النرجسيون)! – النرجسيّة= حبّ الذّات المفرط-.. لشروط التأطير والأسطرة والعبوديّة الحديثة التي تدفعنا للموت انتحارا من أعلى أسوار "الذّات" المنعزلة والفرديّة فيما "ايكو" – وحدها- تموت- كل يوم- من أجلنا ودون أن نعلم!، تلك الحالة التي لم يقصدها محمود درويش، حين قال:
ليس جميلاً
كما ظنّ. لكن صُنَّاعَهُ
ورَّطوهُ بمرآته. فأطال تأمُّلَهُ
في الهواء المقَطَّر بالماء ...
لو كان في وسعه أن يرى غيره
لأحبَّ فتاةً تحملق فيه،
وتنسى الأيائل تركض بين الزنابق والأقحوان ...
ولو كان أَذكى قليلاً
لحطَّم مرآتَهُ
ورأى كم هو الآخرون ...
ولو كان حُرّاً لما صار أُسطورةً ...
_________
* يتبع في الجزء الثاني
Comments